Connect with us

رأي

الذكاء الاصطناعي ليس سحرًا!

حتى ChatGPT حين سُئل «هل أنت سحري؟» أجاب: «لست سحريًا – مجرد رياضيات»، لكنه بالفعل يبدو قريبًا جدًا من السحر

هناك كلمة يحب “سام ألتمان” أن يستخدمها عند الحديث عن الذكاء الاصطناعي، ألا وهي “السحر”. ففي العام الماضي وصف الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، نسخة من ChatGPT بأنها “ذكاء سحري في السماء”، وفي فبراير تحدث عن “ذكاء موحّد سحري”، ثم كتب في منشور لاحق أن تحديثًا جديدًا للبرنامج “يحمل سحرًا لم أشعر به من قبل”.

صحيح أن الذكاء الاصطناعي قد يبدو أحيانًا وكأنه سحر، لكن النظر إليه كشيء أكثر من مجرد آلة يحمل عواقب خطيرة. كم من الناس يطرحون أعمق أسئلتهم على الروبوتات الحوارية كما لو كانت عرّافًا يعرف كل شيء؟.

يسألونها: ماذا أفعل بشأن هذه العلاقة؟ هذا العمل؟ هذه المشكلة؟ لقد تحوّل وعد التكنولوجيا بالخلاص – سواء عبر استعمار المريخ، أو الخلود، أو الوصول إلى “التفرّد” الاصطناعي – إلى ما يشبه ديانة علمانية جديدة، مزيج من معتقدات طوباوية تقترب من الغيبيات.

غموض وأساطير

جزء من هالة الذكاء الاصطناعي يأتي من أن عمله الداخلي غير مفهوم بالكامل حتى لمطوريه. كما قال الباحث في Anthropic وأستاذ جامعة نيويورك سام بومان: “غالبًا ما نفاجأ بسلوك النماذج بعد بنائها.” نستطيع مراقبة المدخلات والمخرجات، لكن العملية الداخلية تبقى غامضة، هذا الغموض – مع الإمكانيات الهائلة الموعودة – يسمح للشركات ببناء رواية مفعمة بالرهبة.

قبل إطلاق GPT-2 عام 2019، حذّرت OpenAI من أنه قد يكون خطيرًا جدًا، ومع GPT-4 عام 2023 قال ألتمان إنه “قليل الخوف” من قوته. أما هذا العام، ومع GPT-5، فشبه المنتج في بودكاست بمانهاتن بروجكت متسائلًا: “ماذا فعلنا؟”.

تهويل وتصديق

الكثير من هذا ليس سوى تسويق ذكي، حيث تُرفع التوقعات باستمرار ليبدو أن الاختراق الكبير قادم لا محالة. لكن هناك أيضًا بعض الإيمان الحقيقي. فالاحتمالات الهائلة للذكاء الاصطناعي هي ما يدفع أنصاره والمتخوفين منه على حد سواء، إذ يتحدثون عن مستقبل لم يحدث بعد: زمن قد يصبح فيه الذكاء الاصطناعي إما منقذًا أو مدمّرًا.

هذا الخطاب “اللاهوتي” حول الذكاء الاصطناعي بلغ ذروته، وامتد ليؤثر في كل جوانب الثقافة. المخرج السينمائي أري أستر قال مؤخرًا: “المهندسون الذين يطوّرون هذا الذكاء لا يتحدثون عنه كتقنية جديدة، بل يتحدثون عنه كإله، كأنهم تلاميذ مخلصون.”

جذور تاريخية

البشر اعتادوا إضفاء طابع سحري على الابتكارات التكنولوجية. فالبرق في القرن التاسع عشر – الذي حوّل الكلمات إلى كهرباء يمكن إرسالها – دفع كثيرين للاعتقاد بعوالم غير مرئية. ومن رحم ذلك وُلدت الروحانية وحفلات استحضار الأرواح. حتى توماس إديسون حاول ابتكار “هاتف الأرواح” للتحدث مع الموتى. والكاميرا بدورها غذّت “تصوير الأرواح”، حيث زُعم أن الأشباح تظهر في صور الأحياء.

هذه الأمثلة تكشف حقيقة دائمة: هناك فرق بين ما تستطيع التقنية فعله فعلًا، وبين ما تختار الثقافة أن تتصوره عنها.

السحر الحديث

النقاشات الدائرة حول الذكاء الاصطناعي تعيدنا إلى نفس المساحة الضبابية. ألتمان نفسه كتب في مدونة: “سنتمكن يومًا ما من فعل أشياء كانت لتبدو سحرية لأجدادنا”، كلمة “تبدو” هنا مفتاح الفهم.

حتى ChatGPT، حين سُئل: “هل أنت سحري؟” أجاب: “لست سحريًا – مجرد رياضيات. لكن مع بيانات كافية وتصميم جيد وتعليمات مناسبة، يمكن أن يبدو قريبًا جدًا من السحر”.

إذن ما نصفه بـ”السحر” ليس إلا تعقيدًا تقنيًا يجعل النتائج تبدو خارقة.

وَهمٌ يتكرر

من القرون الوسطى مع الحكايات عن الجن والعفاريت، إلى القرن التاسع عشر مع الروحانية، يتكرر النمط نفسه: يسخر الناس من “سذاجة” الأجيال السابقة، بينما يقعون في فخ تفكير سحري جديد. فما الذي سيقوله مؤرخو المستقبل عنا، نحن الذين نحب ونعترف ونلجأ للذكاء الاصطناعي كما لو كان كائنًا حيًا أو إلهًا؟

المشكلة الكبرى مع هذا “السحر” هي أنه يضيّق طموحاتنا. فهناك مجالات أخرى للإلهام: العلاقات، الطبيعة، الفن، الإبداع. لكن في ثقافة تضع السلعة أولًا، يسهل أن يطغى بريق البرمجيات الجديدة على هذه المجالات.

الحل الأكثر واقعية – وربما الأكثر جذرية – هو أن نتعامل مع الذكاء الاصطناعي كـ”كود برمجي” مصمم، لا كصندوق أسود غامض. صحيح أنه قد يساعد في التنبؤ بالأمراض، وأتمتة المهام، وترجمة اللغات. لكن إذا عاملناه كقوة خارقة، سنخدع أنفسنا ونكرر دورة التفكير السحري عبر التاريخ.

مترجم بتصرف عن مقال للكاتب «كودي ديليستراتي» بصحيفة نيويورك تايمز

Continue Reading
اضغط لكتابة تعليق

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

جميع حقوق النشر محفوظة، نوتشر 2020 - 2025 ©