من الصعب عادة محاسبة الشركات التكنولوجية على بيانات رسالتها المثالية. فشعار “لا تكن شريرًا” من جوجل أو “نرتقي بوعي العالم” من وي وورك، كانت شعارات مراهقة كُتبت في مرحلة الأحلام، حين كان المستثمرون مبتسمين ولم يكن أحد يتحدث بعد عن “المسؤولية الائتمانية”.
إنها أشبه بالحكم على شخص من جملة كتبها في نهاية كتاب تخرّجه من الثانوية.
.. لكن يا أوبن أي آي، أنتم تبالغون.
في صفحة “من نحن” على موقع OpenAI، لا تزال الرسالة كما هي منذ عام 2018: “مهمتنا هي ضمان أن الذكاء الاصطناعي العام يعود بالنفع على الإنسانية جمعاء”، لكن من الواضح أن الشركة لم تلتزم بهذا كثيرًا، كما أظهرت تغطيات “فوكس” السابقة لأنشطتها.
حسنًا، لو سألني أحدهم عن “رسالتي في الحياة” عندما كنت في الثالثة من عمري، لقلت ربما: “أن أصبح أول لاعب NBA يهبط على المريخ”. لكن الواقع مختلف، فنحن لا نحقق دومًا ما نحلم به، في حين تتغير أولوياتنا باستمرار.
لكن مع منتجها الجديد Sora 2 (سورا 2)، شبكة الفيديوهات الاجتماعية المُولَّدة بالذكاء الاصطناعي، لم تستطع أوبن أي آي التفريق بين “الرسالة” و”الواقع”، وربما كانت سعيدة بهذا الخلط.
مخلفات الذكاء الاصطناعي
أفضل طريقة لفهم “سورا 2” هي أنها تجمع بين أسوأ ما في نماذج اللغة الكبيرة مثل ChatGPT -أي قدرتها الفائقة على جعل المستخدمين مدمنين عليها- مع أسوأ ما في الإعلام الحديث: تدفق لا ينتهي من مقاطع الفيديو الرأسية السطحية، التي دمرت قدرتنا على التركيز.
كأنك تخلط الهيروين بعقار آخر.. لا أعرف، هل يوجد مخدر يجعلك تحدق في الشاشة بفم مفتوح بينما ينقص ذكاؤك عشرين نقطة؟ ربما “هيروين مضاعف”.
المشكلات الجوهرية في المقاطع فائقة الواقعية المُنشأة بالذكاء الاصطناعي ظهرت فورًا تقريبًا بعد إطلاق سورا 2 هذا الأسبوع.
انتهاك الحقوق الفكرية
أحد أول المقاطع التي شاهدتها كان يظهر “ريك ومورتي” يزوران “سبونج بوب سكوير بانتس”، نعم، لقد مات جزء صغير من روحي وأنا أكتب ذلك.
يبدو أن أوبن أي آي جعلت استخدام المواد المحمية بحقوق الطبع مسموحًا بشكل افتراضي، واضعة العبء على أصحاب الحقوق لطلب إزالة محتواهم بأنفسهم.
الشركة، بالطبع، ستحذفها إذا طُلب منها ذلك، لكن بعد أن تستفيد من الضجة الاجتماعية حول هذه المقاطع، تمامًا كما فعلت عندما انتشرت موضة تحويل الصور إلى أسلوب “استوديو جيبلي”.
الزيف في كل مكان
من أبرز خصائص سورا 2 أن المستخدم يستطيع رفع صورته وإدراجها في أي فيديو من إنتاج الذكاء الاصطناعي، بل يمكنه السماح لأصدقائه -أو لأي مستخدم عشوائي- بفعل ذلك أيضًا.
ولم تمر سوى دقائق حتى امتلأت المنصة بمقاطع مزيفة: تسجيلات شرطة وهمية، أشخاص حقيقيون بزي نازيين، لقطات زائفة لأحداث تاريخية، وحتى مقطع يُظهر الرئيس التنفيذي لأوبن أي آي، سام ألتمان، وهو يسرق من متجر.
بكلمات أخرى، في الوقت نفسه الذي ينشر فيه رئيس الولايات المتحدة مقاطع ديب فيك لمعارضيه الديمقراطيين، تمنح أوبن أي آي الأمريكيين -على الأقل من لديهم رمز دخول إلى سورا 2- القدرة على إنتاج فيديوهات واقعية بالكامل بكبسة زر، ومشاركتها على شبكة تشبه تيك توك.
ورغم أن المنصة تفرض حظرًا على انتحال الشخصية والاحتيال والعنف، إلا أن ذلك أشبه بالقول إن السلاح الآلي آمن لمجرد أنه مزود بمفتاح أمان.
من المستفيد؟
من الصعب القول إن هذا “يخدم الإنسانية جمعاء”. لكنه بالتأكيد يخدم أرباح أوبن أي آي، التي بلغت قيمتها مؤخرًا 500 مليار دولار، متفوقة على سبيس إكس، في وقت تتزايد فيه التحذيرات من فقاعة الذكاء الاصطناعي.
وسام ألتمان نفسه وصف سورا 2 بأنه “لحظة ChatGPT للإبداع”، متوقعًا “انفجارًا كامبريًا” في جودة الفن والترفيه، لكن إذا كان هذا هو مستقبل الإبداع -خوارزمية إعادة خلط بلا وعي- فامنحوني إذًا ذكاءً آليًا يصنع مشابك ورق.
الأسوأ أن تطبيقات مثل سورا 2 تُغطي على المشاريع التي يمكن أن تفيد البشرية فعلاً، ففي الأسبوع نفسه الذي أطلقت فيه أوبن أي آي سورا 2، أعلن باحثون سابقون في شركات ذكاء اصطناعي كبرى عن تأسيس Periodic Labs، وهي شركة ناشئة تهدف إلى تسريع الاكتشافات في الفيزياء والكيمياء باستخدام الذكاء الاصطناعي.. أي بمعنى آخر: العلم الحقيقي، لا المحتوى الفارغ.
لكن ربما أكون ساذجًا إن توقعت من ألمع العقول في جيلنا أن تختار “ذلك” بدلاً من “هذا”، ففي النهاية، أوبن أي آي شركة تجارية -أو خيرية؟ أو شيء بينهما؟- تتبع ما يطلبه السوق، والمسؤولية الأخيرة تقع علينا نحن المستخدمين، لقول: “لا، لن أستهلك هذا المحتوى الصناعي المفرغ من المعنى.”
لكن بحسب آخر الإحصاءات، سورا تحتل المرتبة الثالثة في قائمة تطبيقات آيفون الأكثر تحميلًا.
ببساطة: لقد انتهى أمرنا.
مترجم بتصرف عن مقال للكاتب براين وولش بموقع VOX