قبل سنوات، صاغ الكاتب والناشط التقني كوري دكتورو كلمة صادمة وساخرة في آن واحد: Enshittification (كلمة لا أصل لها في الإنجليزية ولكنها اشتقاق حديث بمعنى التحوُّل إلى شيء مليء بالرداءة).
الكلمة بدت للوهلة الأولى مجرد نكتة لغوية، لكنها سرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم، إلى أن تحوّلت إلى مصطلح يعبّر بدقة عن إحساس ملايين المستخدمين اليوم: الإنترنت يتدهور وبسرعة.
ولعل انتشار الكلمة واعتراف القواميس بها لم يكن مجرد حادث لغوي، بل كان انعكاسًا لحقيقة نلمسها جميعًا: المنصات الرقمية لم تعد كما كانت.. شيء ما انكسر في قلب التجربة الرقمية.
الإنترنت، الذي كان يومًا مساحة مفتوحة وواعدة صار أشبه بسلسلة متاهات تسيّرها خوارزميات بلا روح، وممارسات تجارية تبدو، في كثير من الأحيان، أقرب إلى الاستغلال.
نموذج ثلاثي المراحل
دكتورو يقدّم في كتابه الجديد نظرية بسيطة حدّ الصدمة: معظم المنصات تمرّ بثلاث مراحل قبل أن تتحول إلى “قُمامة رقمية”.
المرحلة الأولى: الانبهار
هنا، تحاول المنصات استقطاب أكبر عدد من المستخدمين. كل شيء مجاني.. مريح.. سريع.. والأهم “إنساني”، فيسبوك يعد بعدم تتبّعك.. أمازون تعرض أسعارًا لا تُقاوم.. أوبر تصبح أرخص من شراء دراجة.
المرحلة الثانية: اجتذاب الشركات
بعد أن تُحكِم قبضتها على المستخدمين، تبدأ المنصات بمحاباة الشركات. فجأة، تتحول الخلاصات إلى محتوى مدفوع، وتبدأ المنصات في تنظيم حركة المرور داخلها بما يخدم شركاءها التجاريين. المستخدم لا يزال موجودًا، لكنه لم يعد محور التجربة.
المرحلة الثالثة: الانهيار التجاري
هذه هي اللحظة التي يتحول فيها الإنترنت إلى ما يصفه دكتورو بـ“كومة من القذارة”، المستخدم يتعرض لوابل من الإعلانات والمحتوى المدفوع.. الشركات الصغيرة تُستنزف بالرسوم.. جودة الخدمات تهبط.. الخوارزميات تتجاهل رغباتنا وتغذّينا بما يفيد المنصات، لا بما نختار.
والنتيجة؟.. منصات كانت تُعتبر أيقونات للابتكار تتحول إلى نسخ مترهلة، تتضخم في الشكل وتتآكل في القيمة.
أين المشكلة؟.. المسألة، في جوهرها، ليست تقنية.. بل سياسية واقتصادية، والمنصات تفعل ما تفعله لأنها ببساكة “تستطيع”.
ولأننا نحن المستخدمين أصبحنا “محاصرين” داخل قلاع رقمية ذات خنادق عميقة: تأثيرات الشبكة.. رسومات الاشتراك الطويلة.. المحتوى غير القابل للنقل.. وأدوات مغلقة لا تتحدث مع بعضها.
باختصار: نحن سجناء، حتى لو بدت الزنازين لامعة ومليئة بالمميزات.
مترجم بتصرف عن مقال للكاتب جريج روزالسكي بموقع Planet Money