على هامش المنتدى المتوسطي للبيئة والعمل المناخي، الذي عُقد مؤخرا في القاهرة، تحدث الدكتور عماد عدلي، رئيس الشبكة العربية للبيئة والتنمية “رائد”، حول رؤيته عن التحول البيئي، مؤكدا أن المشكلة البيئية “ليست بيولوجية بل سلوكية”، وأن التشخيص الدقيق يبدأ من فهم علاقتنا بالحياة نفسها.
عماد عدلي هو طبيب مصري، وأحد أبرز رموز المجتمع المدني في العالم العربي والمتوسطي، تولى لاحقا مهمة التنسيق والتحفيز في قطاع المجتمع المدني والبيئة، بوصفه المنسق العام لشبكة رائد (RAED) في مصر ومنطقة البحر المتوسط.
يمتلك عدلي خبرة تمتد لأكثر من ثلاثين عاما في مجال التنمية المستدامة والبيئة، شملت التعاون مع المنظمات الدولية مثل الشبكة العالمية لمنظمات المجتمع المدني للحد من الكوارث (GNDR)، وجهات حكومية عديدة في الوطن العربي، وغيرها.
▐د. عماد عدلي
تحت قيادته في شبكة “رائد”، تم إطلاق مشاريع ذات نطاق محلي وإقليمي مثل إدارة المياه، والتغير المناخي، والاستجابة لآثار الكوارث البيئية.
تحديات بيئية
في حواره إلى نوتشر، يتحدث الدكتور عدلي عن التحديات البيئية، ودور المجتمع المدني، وأهمية بناء جبهة متوسطية واعية قادرة على تحويل الوعي إلى فعل مستدام، وإلى نص الحوار..
➤ كطبيب يجيد قراءة الأعراض قبل تشخيص المرض، كيف تقرأ اليوم “أعراض” المنطقة المتوسطية بيئيًا؟
⬅ المنطقة تعاني من أعراض مزمنة: جفاف في الموارد، واحتباس في السياسات، ونقص في “الأوكسجين التشاركي” بين الفاعلين، الحل ليس في وصفة سريعة، بل في علاج شامل يبدأ من تعديل السلوك الجمعي وتفعيل الذكاء الجماعي للمنظمات. فالتحدي البيئي ليس مرضًا بيولوجيًا، بل خللاً في علاقتنا بالحياة نفسها.
➤ أنت تجمع بين دقة الطبيب ومرونة القائد، ما سر نجاحك في بناء جبهة مدنية عابرة للضفتين؟
⬅ السر هو الإصغاء. لا يمكن أن تبني جبهة من دون أن تسمع نبض الآخر. حاولنا تحويل الخلاف إلى اختلاف، والاختلاف إلى طاقة اقتراح. كل منظمة في شبكتنا ليست رقمًا، بل خلية حية داخل جسد متوسطي واحد، متنوع في لغاته لكنه موحد في نبضه الإنساني.
➤ في زمن تتسارع فيه التحولات المناخية، هل يكفي الوعي أم أننا بحاجة إلى “علاج صادم” لتغيير السلوك؟
⬅ الوعي مرحلة تشخيص، لكنه لا يعالج وحده. نحن بحاجة إلى “علاج سلوكي مجتمعي” يدمج التعليم والإعلام والسياسات العمومية في بروتوكول واحد. العلاج الصادم الحقيقي هو إشراك المواطن لا كمستفيد، بل كصانع للتغيير، لأن التحول يبدأ حين يصبح الفعل البيئي عادة لا شعاراً.
من الميدان لا المكاتب
➤ كثير من المبادرات تنهار حين تصطدم بالبيروقراطية أو تضارب المصالح. كيف تمكنتم من تحويل الحلم إلى شبكة فعالة؟
⬅ واجهنا ذلك باعتماد “منهج الميدان قبل المنصة”، لم نبن الشبكة في المكاتب، بل في ورش العمل المشتركة. عندما يرى الناس الأثر يؤمنون بالمشروع. ركزنا على مبادرات ملموسة مثل إدارة المياه محلياً، والتعليم البيئي، والاقتصاد الأخضر. النجاح يبدأ من التفاصيل الصغيرة لا من الشعارات الكبرى.
➤ القيادة في المجال البيئي ليست فقط إدارة مشاريع، بل توجيه ضمير جماعي. كيف تصوغون مفهوم القيادة داخل شبكتكم؟
⬅ نحن لا نبحث عن زعيم، بل عن صدى مشترك. القيادة عندي ليست فوقية، بل توزيعية، كل عضو في الشبكة قائد في مجاله، عندما نحرر مفهوم القيادة من المركزية، نصنع التمكين الحقيقي ونخلق شبكة تفكر وتتحرك ككائن جماعي واحد.
الشباب في الصدارة
➤ الشباب يشكلون القوة الصاعدة في التغيير المناخي. كيف يمكن تحويل حماسهم إلى طاقة مؤسسية دائمة؟
⬅ بالاستماع قبل التدريب. الشباب لا يريدون أن يُلقَّنوا، بل أن يُمكَّنوا. لذلك نسعى لدمجهم في اتخاذ القرار لا في الهامش التطوعي فقط. نمنحهم أدوات التفكير النقدي، ومهارات التحليل البيئي، ونترك لهم مساحة التجريب. فالمستقبل لا يُورّث بل يُصنع معهم.
وقد أطلقنا في هذا الإطار شبكة شباب رائد عام 2022، وهي شبكة شبابية تعمل تحت مظلة المنظمة الأم وتضم ممثلين عن المنظمات الأعضاء. جاءت المبادرة من قناعة بأهمية إشراك الشباب بفاعلية في العمل العربي المشترك والقضايا البيئية والتنموية، امتداداً لتاريخ “رائد” الذي تأسس بدعم من المكتب العربي للشباب والبيئة في أواخر الثمانينيات.
➤ في بيئة تتعدد فيها المبادرات، كيف نحمي الفعل البيئي من التشتت؟
⬅ نعمل على “بوصلة متوسطية” تجعل كل مبادرة جزءاً من منظومة أكبر. لا نريد مبادرات متفرقة، بل نسيجاً مترابطاً. التشبيك الذكي هو ما يحول الجهود المحلية إلى أثر إقليمي.
➤ العدالة المناخية شعار متكرر، لكنكم تتعاملون معها كمنهج عمل. كيف تترجمونها إلى واقع؟
⬅ العدالة المناخية ليست مطلباً أخلاقياً فقط، بل شرط للبقاء المشترك. نعمل على خلق جسور تضامن بين الشمال والجنوب المتوسطي، تقوم على تبادل المعرفة لا الإملاء، وعلى نقل التكنولوجيا لا الشروط. العدالة تتحقق عندما تصبح التنمية حقاً بيئياً للجميع لا امتيازاً للبعض.
الدبلوماسية الخضراء
➤ الدبلوماسية البيئية باتت لغة جديدة بين الشعوب. كيف تنظرون إليها كأداة للسلام والالتقاء؟
⬅ الدبلوماسية البيئية تعيد تعريف القوة الناعمة. حين نجلس حول طاولة الماء والهواء، ننسى الخلافات السياسية. البيئة تمنحنا لغة مشتركة لا تحتاج إلى ترجمة. أؤمن أن الدبلوماسية الخضراء ستكون مفاتيح المستقبل، لأنها تجمع بدل أن تفرق، وتبني الثقة حيث فشلت السياسة التقليدية.
منذ عام 2001 أطلقنا مبادرة على مستوى حوض نهر النيل ضمن شبكة “رائد”، انطلاقاً من إيماني العميق بالدبلوماسية الشعبية كوسيلة لتجنب النزاعات وبناء جسور الحوار. واليوم نمارسها على المستوى المتوسطي لتعزيز السلام والتعاون بين الشمال والجنوب، وفي إطار التعاون “جنوب-جنوب”.
➤ التغير المناخي يضغط على الموارد، لكنه يكشف أيضًا طاقات الإبداع. كيف توظفون هذا التحدي لإطلاق اقتصاد جديد؟
⬅ التغير المناخي ليس نهاية، بل بداية لإعادة بناء اقتصاد أكثر عدلاً. في الشبكة نؤمن أن كل أزمة تحمل بذرة فرصة. نعمل على تحفيز المشاريع الخضراء وتدريب الشباب على ريادة الأعمال البيئية. البيئة ليست عبئاً اقتصادياً، بل فرصة للابتكار والكرامة الاقتصادية.
➤ ما الرسالة التي يجب أن تبقى من المنتدى المتوسطي في القاهرة للأجيال القادمة؟
⬅ رسالتي هي أن الوعي وحده لا يكفي، وأن الفعل الفردي يمكن أن يصنع أثراً جماعياً. البحر المتوسط ليس مجرد خط جغرافي، بل ذاكرة ومسؤولية مشتركة. لن ننقذ البيئة بالنيات، بل بالشراكة، وبإعادة صياغة علاقتنا بالكوكب كمواطنين عالميين واعين ومبادرين.