ترقية هاتفك الآيفون القادم، ربما تكلفك 2000 دولار أو أكثر، لكن وراء هذا الرقم الباهظ، يكمن رهان أكبر، ألا وهو مصير شركة آبل، عملاق التكنولوجيا الأول، ومستقبل أسواق المال المضطربة.
ستيف جوبز، برؤيته الثاقبة، كان من حوّل الهاتف الذكي إلى واقع. لكن الشخص الذي أوصل آبل إلى قمة المجد المالي كان تيم كوك، خليفته الهادئ، بخبرته الفائقة في الإدارة ومهاراته الدبلوماسية. حين واجه كوك تهديدات دونالد ترامب في ولايته الأولى، عرف كيف يتودد إليه ويدارِيه، دون أن يغيّر جوهريًا علاقة آبل بالصين. يومها، كسب الوقت وكسب الإعفاءات، لكن بثمن أخلاقي باهظ.
اليوم، عاد ترامب إلى البيت الأبيض، وهذه المرة جاء محملًا برسوم جمركية قاسية ضد الصين، تهدد سيطرة آبل شبه المطلقة على سوق الهواتف الذكية. ومن غير المرجح أن يتمكن كوك من تكرار خدعته القديمة، الأمر الذي يضع شركته، بل وأسواق المال العالمية، أمام اختبار عسير.
مكمن الخطر
لفهم حجم الخطر، يكفي أن نعلم أن آبل تمثل نحو 8% من قيمة مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، أي أنها الاستثمار الأكبر للكثير من مدخرات التقاعد. وأي تراجع في أرباحها يهز الأسواق العالمية.
المشكلة أن تنفيذ شعار ترامب “صنع في أمريكا” شبه مستحيل بالنسبة لآبل. فقرابة 90% من إنتاجها العالمي يتم في الصين، حيث استثمرت آبل خلال ربع قرن بنية تحتية ومهارات لا يمكن تكرارها ببساطة في الولايات المتحدة. وتشير تقديرات إلى أن تصنيع آيفون محليًا قد يرفع سعره إلى نحو 3500 دولار، وهو ما لا يستطيع السوق تحمله.
ولا يقتصر الأمر على التكلفة؛ فحتى اليد العاملة المؤهلة والبيئة الصناعية المتكاملة التي توفرها الصين لا مثيل لها في أمريكا. ملايين العمال الموسميين الصينيين هم جزء لا يتجزأ من قدرة آبل على إنتاج مليون هاتف يوميًا، في ذروة مواسم الأعياد.
جولة سابقة
حين واجه كوك تهديدات ترامب عام 2016، اختار التودد السياسي بدل المواجهة، وتعهد ببناء مصانع ضخمة في أمريكا — مصانع لم ترَ النور قط. واليوم، يتكرر المشهد، حيث أعلن كوك التزامًا استثماريًا هائلًا بقيمة 500 مليار دولار، في محاولة جديدة لاسترضاء إدارة ترامب الثانية. لكن التدقيق يكشف أن الالتزام الحقيقي قد لا يتجاوز جزءًا يسيرًا من هذا الرقم، ما يجعل التعهد مجرد ذر للرماد في العيون.
الفرق هذه المرة أن ترامب لا يبدو مستعدًا لمنح آبل ممرًا آمنا. فالتعريفات الجمركية الجديدة قاسية، وقد تكلف آبل 40 مليار دولار سنويًا من أرباحها. الأسوأ أن محاولات آبل للالتفاف عبر فيتنام أو الهند لن تجدي، إذ فرضت الرسوم على هذه الدول أيضًا.
آبل تجد نفسها محاصرة، إذ أن نقل التصنيع من الصين الآن قد يغضب بكين ويعرّض سوقًا ضخمًا يدر عليها 70 مليار دولار للخطر. في المقابل، البقاء معتمدين على الصين يجعلهم عرضة لمزيد من العقوبات الأمريكية. تيم كوك يحاول المشي على حبل مشدود بين قوتين عظيمتين، ولكن هذا الحبل أصبح أوهن من أي وقت مضى.
خسرت أسهم آبل أكثر من تريليون دولار منذ ذروتها في ديسمبر الماضي، والآتي قد يكون أعظم.
يبقى السؤال: هل يمتلك كوك ورقة دبلوماسية أخيرة؟ أم أن هذه المرة، سيكون الثمن الذي يدفعه الجميع، من المستثمرين إلى المستهلكين، باهظًا؟
*ترجمة عن مقال للكاتب «باتريك ماكجي» بصحيفة «نيويوك تايمز» الأمريكية